الأربعاء، ديسمبر 23، 2009

هل مصر بهذه الخفة من العقل يا سيد ليبرمان ؟


(حذّر وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان مصر من خطر تعاظم دور طهران في المنطقة، قائلاً إن على القاهرة أن تشعر بالخوف من إيران أكثر من إسرائيل.)
هذا ما أوردته النشرة اللإكترونية العربية لوكالة الإنباء الهولندية في تمام الساعة الواحدة والدقيقة 26 من صبيحة يوم 21 ديسمبر 2009م.



مثلما يوجد كلام يصدر عن الأطفال أو المعتوهين كذلك يوجد كلام يشبهه كثيراً يخاطب به العاقلون الأطفال و المتخلفين عقلياً تماشياً مع تدني مستوي ادراكهم العقلى واللغوى معاً وأحياناً قد يخاطب العاقلون بعض الناضجين بنفس الأسلوب استخفافاً بهم لكن السيد ليبرمان ليس طفلاً أو معتوهاً فهو يتقلد منصباً من أولي متطلباته الحنكة واللباقة. يبقي الشق الآخر وهو المخاطب هنا إسماً لا تورية أو ضميراً مستتراً ؛ أي مصر ـ أقرب الكواكب المأهولة بكائنات عاقلة بالنسبة للشمس الإسرائيلية كما يلمحون دوماً فهل يا ترى أضحت ببهذه الخفة من العقل ين عشية وضحاها.
تعالوا نفكك هذا التصريح حتي نستشعر مراميه الخبيثة ـ إن لم نكن قد شعرنا بذلك فور تجرعه دفعة واحدة مستصحبين في ذلك أن التصريح وقد جاء علي لسان وزير خارجية من غلاة المتشددين وحوله جدل كثيف داخل اسرائيل ؛ لا بد من أن مكونات وصفته اي التصريح قد تم وزنها بالميكروميتر في مراحل انتاجه واخراجه خاصة وأن التصريح تزامن اً مع زيارة رئيس البرلمان الإيراني لمصر (وتزامن أيضاً مع تسمية اسرائيل لأحد الشوارع باسم السادات للتذكير بتسمية ايران لشارع باسم قاتل السادات)
يشتمل التصريح علي جملتين مفيدتين لغوياً ؛ الأولى تحذر مصر من (خطر تعاظم الدور الإيرانى في المنطقة) والثانية تنبه أو تلقن مصر بأن عليها (أن تخاف من أيران أكثر من إسرائيل) وكل جملة منهما تقول الكثير المثير مقروءاً مع واقع وتاريخ المنطقة التى يعنيها السيد ليبرمان .
لنبدأ من الجملة الأخيرة لأنها برأيى تشكل بيت القصيد الصهيوني في المنطقة برمتها. لم يتوقف السيد ليبرمان عند حد أن مصر يجب أن تخاف من إيران (بسبب تعاظم دورها فى المنطقة أو غيره ) بل تعدى ذلك الى تحديد حجم هذا الخوف بالمقارنة مع خوفها من اسرائيل. أي أنه حدد سلفاً أن مصر تخاف أو ينبغي لها أن تخاف من إسرائيل. إن التلميح هنا لا يتوقف عند غاية استدعاء الفرق في توازن القوى للذهن فهذا ليس مدعاة للخوف. فمصر مثلاً لا تخاف من الولايات المتحدة رغم الفرق الظاهر فى القوة و ليس بينهما معاهدة سلام. ان الخوف يأتى من الدولة التى تشكل تهديداً للدولة الأخرى فهل يريد السيد ليبرمان أن يقول إن اسرائيل تشكل تهديداً لمصر ـ رغم المعاهدة ـ ولكن تهديد إيران سيكون أكبر. هل يقصد شيئاً من وراء ذلك أم انها مجرد جلطة دبلوماسية.
ما زلنا في مسألة التخويف من ايران وطالما أن السيد ليبرمان هو الذى استدعى المقارنة بينها وبين اسرائيل من ناحية الخطر علي مصر فندعونا نسترسل في هذه المقارنة قليلاً . إن كلاً من مصر وإيران ظلتا فى موقعهما هذا من الأرض منذ ما قبل التاريخ وإن آخر تهديد فارسى لمصر كان في عهد الملك قمبيز قبل بضع الوف من السنين أما الشق الآخر من المقارنة ‘ي من جهة اسرائيل فلنتركة لتلاميذ الإبتدائية لإكماله.

ولنأتي للجملة الإفتتاحية فى تصريح السيد وزير الخارجية والمتعلقة بتعاظم الدور الإيرانى في المنطقة وخطورته. من الأمور الطبيعية إن يتنامى دور اى دولة في المحيط الأقليمي او الدولي طردياً مع تنامي قدراتها السياسية والإقتصادية والعسكرية . بالنسبة لإيران فإن ما حققته في هذه المجالات بالمعايير الحقيقية فواضح للعيان ولن استرسل فيه ولو بحرف واحد ولكنى سالفت النظر فقط الي تعاظم دورها النسبي ــ أي بالمقارنة مع محيطها العربي علي وجه التحديد ــ وفي ما يتعلق بأم القضايا بصورة أكثر دقة ـ أي القضية الفلسطينية (وهذا هو الإسم الكامل للقضية كما هو في شهادة ميلادها واضابير الأمم المتحدة وما تبقى من ذاكرة الأمة) قبالنسبة للعرب اصحاب القصية الأصليين فقد آثر بعضهم التطبيع وتدثر جلهم بالرضاء السكوتي وهذا ما جعل أن دور ايران يبدو ظاهرياً أكثر تنامياً في وجه التطور ـ بالأحرى التدهور المتسارع في القضية ــ من قضية شعب ودولة الي مسألة قطاع ومن ثم أخيراً الي حكاوى جدران وانفاق.
ونأتي للسؤال الأهم : لماذا علي مصر (أو علي العرب كلهم) أن يخافوا من تنامي (الدور/النفوذ/القوة) الأيرانية في المنطقة بدلاً أن يفرحوا لها ويطمئنوا بها ــ كما كان الحال بالنسبة لباكستان من قبل ؟
لنسترجع هنا ملمحاً واحداً من طرائق التفكير والعمل الصهيوني ليس استناداً الي نظريات المؤامرة الممجوجة ، بل بالوقائع المشهودة والموثقة ــ والطريقة المعنية هنا هي (محاربة الشعور الجمعي الكاسح بتحريك شعور آخر مضاد له) وهذا ما فعلته الصهيونية لمحاربة التيار الجارف من كره ومعاداة للسامية وهو شعور عنصري مناف للمنطق كان منتشراً ليس في المانيا النازية وحدها بل في جميع دول الغرب والذي لم تجد الصهيونية سلاحاً لمحاربته انجع من تحريك عقدة الذنب في الغرب وذلك عبر الطرق المتواصل لمأساة الهلوكوست. هذا ليس تحليلاً من عندى بل هو ما أعترف به ناخيم قولدمان أحد قادة الحركة الصيونية ومؤسسي اسرائيل قبيل وفاته عام 1982 (راجع http://www.chomsky.info/books/dissent01.htm )
اذاً لماذا لاتجرب اسرائيل سلاحاً مشابهاً لمحاربة العداء الجارف والسافر لها فى المنطقة خاصة وأن حصيلة التطبيع لم تسفر عن شئ يذكر. إن الأفراد والشعوب والدول توجه كل ذرة من كرهها نحو العدو الواحد ولكن ما إن يظهر لها عدو جديد فانه لا يقتسم كرهها وعداؤها مع العدو السابق بل قد يحل محله تمامًا وشواهد التاريخ في ذلك كثيرة ولعل أقربها حالة العراق مع ايران نفسها قبيل معركة الإحتلال الأخبرة.
إن ايران بالنسبة لنا نحن المسلمين السنة والعرب قد لا ترقي لمستوى الدولة الشقيقة إو حتى الصديقة فهى ليست عضوا بالجامعة العربية وتحتل جزراً عربية تابعة للأمارات وقد يكون لها اصابع في تهييج لبنان وجنوب المملكة غيرأنها إن فعلت ذلك كله وأضعافه فلا أتصور أن تقف يوماً صنو اسرائيل. إن ذلك يبدو لي ـ عاطفياً على الأقل ـ أمر بعيد المنال ولكن يجب أن نعترف أن الصهيونية وقادة دولتها فى اسرائيل قوم مثابرون ولا تنقصهم الهمة في مجابهة التحديات الحيوية بالنسبة لهم كالعداء للسامية في الغرب او الكره للكيان الإسرائيلى وسط العرب والمسلمين.
الترويج لأبراز إيران كتهديد يجب أن تتوجه نحو مخاوف دول وشعوب المنطقة ثم الكره لها فالعداء, هذا الترويج ظلت تقوم به الولايات المتحدة منذ أمد ليس بالقصير بين دول المشرق العربي في ايثار غريب علي النفس رغم الخصاصة فالولايات المتحدة نفسها لا تتمتع بكثير حب في تلك المنطقة. وبغض النظر عن ما وصلت اليه الجهود الأمريكية في هذا الصدد في المشرق فسوف يبقى ناقصاً ولا يفى بالغرض ما لم يكن شاملاً لكل العرب أو على الأقل يضم مصر ذات الثمانين مليون نسمة والتأثير الواضح فى الإمة العرببية والإسلامية.
لعل تصريح السيد ليبرمان هو فاتحة لتوسيع رقعة الترويج صوب مصر، مبتدراً من اسرائيل نفسها ومن قمة الدبلوماسية فيها ثم من بعد يتوالى الطرق عبر شتي الوسائل وفي كل المناسبات.
ولكن هل يا ترى مصر بهذه الخفة من العقل ...........يا سيد ليبرمان ؟






















ليست هناك تعليقات:

المتابعون